لوحات تشكيلي أميركي توثق كيف يرى مريض ألزهايمر نفسه
عام 1995، أصيب التشكيلي الأميركي المقيم بالمملكة المتحدة وليام أوترمولين بألزهايمر وهو في سن 65. كان التشخيص صعبا وصادما، لأنه يعني أنه يفقد تدريجيا قدراته العقلية وذكرياته، وحتى إمكاناته المعرفية الطبيعية، لكن ممرضا اقترح عليه أن يتسلى برسم لوحات ذاتية لنفسه (بورتريهات). وبعد سنوات تحوّلت هذه اللوحات إلى مادة للبحث العلمي ومحاولة كشف الطريقة التي يرى بها مريض ألزهايمر نفسه.
درس أوترمولين في أكاديمية بنسلفانيا للفنون الجميلة، وكذلك مدرسة روسكين للفنون في أكسفورد. وتُقسم لوحاته التشكيلية عموما إلى 6 فترات تمتد نحو 30 عاما (1962-1991) ولكل منها موضوعات محددة.
ومع ذلك، ثمة أعمال تُعد استثنائية في مسيرة هذا التشكيلي الشهير، وهي مجموعة لوحات ذاتية بدأ أوترمولين رسمها منذ 1996، وقد حققت رؤية عميقة في مجال الصحة العقلية بشكل غير مسبوق.
تشخيص صادم ومقترح ذكي
إثر تشخيص إصابته بألزهايمر، عمد ممرض في مستشفى للأمراض العصبية يُدعى رون إسحاق إلى تشجيع هذا الفنان على رسم لوحات شخصية لنفسه لمساعدته في استيعاب تداعيات حالته.
وعندما عُرضت تلك اللوحات على إسحاق والأعضاء الآخرين بالفريق الطبي الذي كان يعمل فيه، وجدوا أنها أعمالٌ رائعة من الناحية السريرية، وأصبحت في النهاية موضوعا لمجلة “لانسيت” للأبحاث العلمية.
وقبل وفاة أوترمولين عام 2007، كان قد رسم سلسلة من اللوحات الذاتية التي وثّق فيها مراحل إصابته وتدهور حالته، واستغرق العمل عليها 5 سنوات كاملة.
ومن خلال توثيق التدهور التدريجي لعقله وقدراته الذهنية، تمكن أوترمولين من تشكيل مجموعة لوحات صدمت العالم الفني بشكل لا يصدق، لدرجة أنها أصبحت تُعرَض على طلاب الأقسام الطبية بالجامعات الأوروبية ضمن المواد التعليمية لمعرفة كيف يفكر ويشعر مريض ألزهايمر، وكيف يستوعب نفسه والعالم من حوله.
ومع تقدمه في المرض سنة بعد أخرى، يمكن ملاحظة مدى تشوّه لوحاته الفنية أكثر فأكثر. ويُنظر إلى التغييرات الملحوظة باللوحات الذاتية، في كل من بنية الوجه والأسلوب العام للدراسة، على أنها تتطور نحو مزيج لا معنى له من الأشكال والخطوط التي تشبه قطعة من الفن الحديث التجريدي، أكثر من كونها صورة واقعية لشخص ما بملامح وجه وشخصية واضحة.
ويصبح تأثير المرض أكبر، تدريجيا، وهو ما يظهر بوضوح في مدى تشوّه الصور المتزايد حتى الأيام الأخيرة من حياة أوترمولين.
تأثير ألزهايمر على قدرات أوترمولين
لا تشمل أعراض ألزهايمر فقدان الذاكرة أو الخرف وتغيرات الشخصية وحسب، بل تؤثر أيضا على جزء الدماغ المسؤول عن قدرات التصوُّر العام للذات والعالم، وهو أمر بالغ الأهمية بالنسبة للرسام.
ومع تقدم ألزهايمر عند المصاب، يصبح العالم -ومن ثم الرؤية الفنية للرسام المريض بالحالة- أكثر تجريدا وتشوُّشا وغموضا، بشكل بدا واضحا للمرة الأولى من خلال البورتريهات الذاتية، بسبب فقدان القدرات.
وفي مقابلة أجرتها مجلة “ستر ورلد” (STIRworld) مع باتريسيا أرملة أوترمولين، سلطت الضوء على أسباب قوة هذه الرسومات بشكل خاص قائلة “في هذه اللوحات نرى بشدة جهود وليام لشرح نفسه المتغيرة ومخاوفه وحزنه وتوتره” مشيرة إلى أنه كان من الصعب تحديد ما إذا كانت التغييرات بلوحاته الذاتية قد حدثت بسبب فقدان مهاراته الفنية أو تغيرات في نفسيته وقدراته الذهنية. وفي كلتا الحالتين، تمكنت سلسلة الصور الذاتية من توثيق الاضطراب العاطفي لفنان يفقد عقله تدريجيا بشكل بطيء وقاس.
وأخبرت باتريسيا المجلة أن زوجها استخدم الفن في محاولة “لشرح القلق الرهيب الذي شعر به بشأن فقدانه لنفسه، بالطريقة الوحيدة التي كان يستطيعها”.