لماذا غابت المرأة في تاريخ الفن التشكيلي؟
لماذا غابت المرأة في تاريخ الفن التشكيلي؟
حتى حضورها النادر كان مشروطاً بتبعيتها للفنان الرجل
* مقال بقلم باحثة سعودية في النقد الفني / صحيفة الشرق الأوسط/ ثقافة وفنون
لماذا لا نجد عبر التاريخ الطويل للفن التشكيلي فنانات تشكيليات من النساء إلا في العصور الحديثة؟
مثل هذا التساؤل، ربما نسقطه كذلك على عدم وجود عالمات باحثات أو أديبات وغيرها من أدوار فاعلة للمرأة في الحياة العلمية والثقافية في المجتمعات إلا في حالات نادرة ومعدودة لا تقارن بمثيلها عن الرجل.
إن حضور المرأة في الفن التشكيلي كمُنتج يعد أمراً طارئاً وحديثاً نسبياً، مقارنة بالتاريخ الطويل للتعبير التشكيلي عند الرجل، فهذا الحدث العظيم المتمثل في تمكن المرأة من الحضور الثقافي والتعبير عن هويتها كامرأة، جاء في العصر الحديث، بالتزامن مع الحركات النسوية في القرن العشرين.
فالحياة الاجتماعية للمرأة في السابق، كانت محصورة في أدوار معينة، تمنعها من التعبير أو المشاركة الثقافية إلا في حالات نادرة، وحتى في هذه الحالات النادرة التي نجد فيها حضوراً للمرأة كمُنتج للفن، كان هذا الحضور مشروطاً بتبعيتها للفنان الرجل، فهي تلميذة تتعلم منه وتقلده، حتى في مواضيعه، وهذه التبعية هي ما كان يمنحها بعض القبول.
وعلى الرغم من غياب المرأة كمُنتج للفن، فإنها كانت حاضرة فيه بكثافة بشكل آخر، من خلال تناولها كموضوع للتعبير أو كملهمة للفنان التشكيلي، فهي حاضرة بشكل سلبي من خلال الآخر وتعبيره عنها، إضافة إلى أن هذا التعبير يعكس منظور الفنان التشكيلي عن المرأة، فيلاحظ أن صورة المرأة في كثير من الفنون الكلاسيكية تصورها في وضعية حالمة كمشاهد استلقاء أو عُري وهي تتأمل جمالها أو نرجسيتها، وفي حالات أخرى هي امرأة تقوم بمهام منزلية، والصورة المثالية لها هي صورة الأم المربية مع أطفالها، فهذه المواضيع تصور المرأة في وضع ينفي دورها الفاعل في المجتمع خارج منزلها، فالفنان الرجل عند إنتاجه وتعبيره عن موضوعات المرأة لا يعبر عنها كفنان فحسب، بل يعبر عنها ويصورها كرجل، فلهويته الذكورية واختلافه الجنسي المكتسب من البيئة الاجتماعية دور في تعبيره ورؤيته الفنية.
لذلك كانت أهمية حضور المرأة كمُنتج للفن، لتغيير الصورة النمطية التي كانت سائدة في أعمال وتعبير الفنان الرجل، إضافة إلى أهمية التعبير التشكيلي عن المرأة من منظورها الخاص. ويمثل هذا التعبير الخطاب البصري للحركات النسوية المعاصرة.
إن الحركة النسوية المعاصرة دفعت الكثير من الفنانات النساء للبحث عن طرق جديدة للتعبير الفني، للتخلص من الهيمنة الذكورية ذات التاريخ الطويل في فن الرسم والنحت التقليديين، لذلك أدخلت الكثير من الفنانات النسويات أدوات وخامات مرتبطة بالمرأة في أعمالهن الفنية، خاصة النسيج المرتبط ذهنياً وتاريخياً بالنساء، كما في أعمال الفنانات غونتا ستولزل وشيلا هيكس. وفي حالات استخدام فن البوب لرفع شعارات دعائية للحركة النسوية، والتمرد على السلطة الذكورية والنظرة الدونية إليها كما في أعمال الفنانة باربرا كروغر. وفي نماذج أخرى تم التعبير عن الاختلاف الجنسي للمرأة في صور عاطفية من خلال تصوير معاناتها الداخلية، كما في أعمال الفنانة المكسيكية فريدا كاهلو، أو التأكيد على الهوية الجنسية للمرأة الذي قد يكون من خلال تصوير الاختلافات العضوية بشكل مباشر أو غير مباشر في كثير من الأحيان، هذا التصوير قد يحمل معنى إيروتيكياً كما في أعمال جورجيا أوكيف، إلا أنه قد يشير إلى تفوقها النوعي الذي من خلاله تولد الحياة.
إن صورة المرأة في التجارب التشكيلية المعاصرة التي أنتجت من خلالها، مختلفة تماماً عن صورتها لدى تجارب الفنان الرجل سابقاً، يعود هذا الاختلاف لتغير البيئة الاجتماعية والثقافية والعصر الزمني الذي اختلف فيه دور المرأة في المجتمع، كما أنه يعود بشكل كبير إلى تغير نوع المُنتج للفن.
لذلك تظهر أهمية حضور المرأة كمُنتج فاعل فيما يخص التعبير عن هويتها، سواءً في التعبير الفني التشكيلي أو الأدبي أو الدراسات الاجتماعية والإنسانية التي تتناولها، فلا يكفي أن تكون المرأة موضوعاً يتم تناوله من الرجل، لأن هذا التعبير سيظل وإن كان في أفضل حالاته موالياً للمرأة قاصراً عن الفهم العميق لحالتها.